"طاب مساؤك يا حبيبي"، قبلته في جبينه و مضت لتنام...
تأملها وهي ترفل في ثوبها الأبيض،كانت رقيقة جميلة..لكنها لم تعد تعني له شيئا،بل صارت من ضمن الأشياء.
تنهد وهو ينفث دخانه في الهواء،تذكر حلمه القديم بامرأة تنثره كالنجوم،تسحقه كالعاصفة،بامرأة يعشقها،يكرهها، يحس حيالها بانفعالات الأرض كلها..
تأمل نفسه وحيدا مع أوراقه، وسجائره..وأحلامه..وغطيطها.
تذكر ليلى.. ليلى بنارها وثوبها وصخبها وتألم..
كانت حياته تسير بانتظام.. أ هي الرتابة؟ لقد حفظها عن غيب، وتألم لوضوحها..
تذكر يوم لقيها لأول مرة،كانت سرا لذيذا عذبه طويلا،لكنه قرأه سطرا سطرا بل حرفا حرفا فماذا بعد؟..
عدل من جلسته و سرح نظره في الظلام الممتد أمامه، كانت النجوم تلمع في تحد وسيارات مسرعة تعكس أنوارها على الأرصفة وتروح..
"حتى الأرض تدور"، قالها وهو كئيب،كان صادقا معها،أحبها حتى شربتها كل مسامه، فما باله اليوم؟..
مسح دمعة سقطت على سهو منه وفك ياقة قميصه وتنهد، "كيف أطاحت ليلى بها" حاول أن يتذكر..
يمضي العمر والمرء يركض خلف حلمه وفجأة وبعد أن تكون جذوره قد مدت في الطين و شرشت أطرافه في التراب،يبصر حلمه يهفو إليه، فهل يستطيع؟ وبماذا يبرر لزوجته؟للناس؟لنفسه؟أحب من جديد؟..أي منطق هذا؟
لكنه ماذا يفعل؟كل انسان ينسج حلما في خياله لفتاته،لكن المصيبة رآه بعد أن تزوج، فماذا يفعل؟
حمل رأسه بين يديه وأطرق. تخيلها وهي نائمة مستسلمة، رقيقة مطمئنة وقد وضعت يدها تحت وجهها وراحت في سبات عميق..أي حدث ينتظرها؟.. هل يوقظها ويشرح لها حبه الجديد؟ ماذا عساها تقول؟.. هل تصرخ؟هل تنسحب؟ هل تنتحر؟ لا ينكر أنه أحبها حتى الثمالة ، لكن بعد الثمالة رأى كأسه فارغة فحطمها، وما ذنبه أنه أحب من جديد؟
"حتى الأرض تدور" ، ارتاح لهذه الفكرة. فتذكرها،صدفة رآها، كان وجهها نفس الوجه الذي حلم به وهو صغير، ونسج مسامه ذرة ذرة، أ هو الحب من أول نظرة؟ لا يعرف.. أحبها فقط، جن بها لدرجة أنه نسي زوجته ومركزه وحبه القديم.. كانت تعني له كل شيء.. الحياة والحركة والوحي، بعثت أيامه من جديد،أحس معها بأنه جزء من التاريخ وبأنه معها يستطيع إعادة صياغة العالم.. لكم تمنى أن تمحي الأشياء وتهبط الأرض و يبقى معها معلقا في الهواء إلى الأبد؟
أ هو متقلب؟ أ هو خائن؟ أ هو صادق مع احساسه، أم أنها العاطفة الجديدة تقتل القديمة كما الليل يقتل النهار؟
كان يروح ويجيء، والليل في الخارج يلبس كل الأشياء، والصمت في بيته ثقيل ومخيف،ثقلت جفونه، مضى لغرفته، تأملها وهي غارقة في نومها، داعب شعرها، مسح دمعة على خدها، لعن أفكاره واندس قربها و نام....